كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفراء: الرَّيْحان في كلام العرب: الرِّزق، تقول: خرجنا نطلُب رَيْحان الله، وأنشد الزجاج للَّنمِر بن تَوْلب:
سلامُ الإلهِ ورَيْحانُه ** ورَحْمَتُه وسَماءٌ دِرَرْ

والثاني: أنه خُضرة الزَّرع، رواه الوالبي عن ابن عباس.
قال أبو سليمان الدمشقي: فعلى هذا، سُمِّي رَيْحانًا، لاستراحة النَّفْس بالنظر إِليه.
والثالث: أنه رَيحانكم هذا الذي يُشَمُّ، روى العوفي عن ابن عباس قال: {الريحانِ} ما أَنبتت الأرضُ من الرَّيْحان، وهذا مذهب الحسن، والضحاك، وابن زيد.
والرابع: أنه ما لم يؤكل من الحَبّ، والعَصْف: المأكول منه، حكاه الفراء.
قوله تعالى: {فبأيِّ آلاءِ ربِّكما تُكذِّبانِ} فإن قيل: كيف خاطب اثنين، وإنما ذكر الإنسان وحده؟ فعنه جوابان ذكرهما الفراء.
أحدهما: أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين كما بيَّنّا في قوله: {أَلقِيا في جهنَّمَ} [ق: 24].
والثاني: أن الذِّكر أريد به الإنسان والجانّ، فجرى الخطاب لهما من أول السورة إلى آخرها.
قال الزجاج: لمّا ذكر اللهُ تعالى في هذه السورة ما يدُلُّ على وحدانيته من خَلْق الإنسان وتعليم البيان وخَلْق الشمس والقمر والسماء والأرض، خاطب الجن والإنس، قال: {فبأيِّ ألاءِ ربِّكما تُكذِّبانِ} أي: فبأيِّ نِعَم ربِّكما تُكذِّبان من هذه الأشياء المذكورة، لأنها كلَّها مُنْعَم بها عليكم في دلالتها إيّاكم على وحدانيَّته وفي رزقه إيّاكم ما به قِوامكم.
وقال ابن قتيبة: الآلاء: النِّعم، واحدها: أَلًا، مثل: قفًا، وإِلًا، مثل: مِعىً.
قوله تعالى: {خَلَقَ الإنسانَ} يعني آدم {مِنّ صَلْصالٍ} قد ذكرنا في [الحجر: 26- 27] الصَلْصال والجانَّ.
فأمّا قوله: {كالفَخّار} فقال أبو عبيدة: خُلق من طينٍ يابس لم يُطْبَخ، فله صوتٌ إذا نُقِر، فهو من يُبْسِه كالفَخّار.
والفَخّار: ما طُبِخ بالنّار.
فأمّا المارِج، فقال ابن عباس: هو لسان النار الذي يكون في طرفها إِذا التهبت.
وقال مجاهد: هو المختلِط بعضُه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أُوقِدَتْ.
وقال مقاتل: هو لهب النار الصافي من غير دخان.
وقال أبو عبيدة: المارج: خَلْط من النار.
وقال ابن قتيبة: المارج: لهب النار، من قولك: قد مَرِجَ الشيءُ: إذا اضطرب ولم يستقرّ.
وقال الزجاج: هو اللَّهب المختلط بسواد النار.
فإن قيل: قد أَخبر اللهُ تعالى عن خَلْق آدم عليه السلام بألفاظ مختلفة، فتارة يقول: {خَلَقه مِن تراب} [آل عمران: 59]، وتارة: {مِن صَلْصالٍ} وتارة: {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [الصافات: 11] وتارة {كالفَخّار} [الرحمن: 14] وتارة: {مِنْ حَمَأٍ مسنونٍ} [الحجر: 29]؛ فالجواب: أن الأصل التراب فجُعل طينًا، ثم صار كالحمإِ المسنون، ثم صار صَلصالًا كالفَخّار، هذه أخبار عن حالات أصله.
فإن قيل: ما الفائدة في تكرار قوله: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} الجواب أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التذكير بها.
قال ابن قتيبة: من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز، لأن افتنان المتكلِّم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره في المقام على فنٍّ واحدٍ، يقول القائل منهم: واللهِ لا أفعله، ثم واللهِ لا أفعله، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع مِنْ أنْ يفعله، كما يقول: واللهِ أفعلُه، بإضمار (لا) إذا أراد الاختصار، ويقول القائل المستعجِل: اعْجَل اعْجَل، وللرامي: ارمِ ارمِ، قال الشاعر:
كَمْ نِعْمَةٍ كانَتْ له وَكمْ وَكمْ

وقال الآخر:
هَلًا سَأَلْتَ جُمْوعَ كِنْ ** دَةَ يَوْمَ وَلَّوْا أَيْنَ أَيْنا

وربَّما جاءت الصِّفة فأرادوا توكيدها، واستوحشوا من إعادتها ثانيةً لأنها كلمة واحدةٌ، فغيَّروا منها حرفًا ثم أتبعوها الأولى، كقولهم: عَطْشَانُ نَطْشَان، وشَيطان لَيْطان، وحَسَنٌ بَسَنٌ.
قال ابن دريد: ومن الإتباع: جائع نائع، ومليح قريح، وقبيح شَقِيح، وشَحيح نَحيح، وخَبيث نَبيث، وكَثير بَثير، وسيِّغ لَيِّغ، وسائغ لائغ، وحَقير نَقير، وضَئيل بَئيل، وخضر مضر، وعِفْريت نِفْريت، وثِقَةٌ نِقَةٌ، وكِنٌّ إنٌّ، وواحدٌ فاحدٌ، وحائرٌ بائرٌ، وسَمْحٌ لَمْحٌ.
قال ابن قتيبة: فلمّا عَدَّد اللهُ تعالى في هذه السورة نعماءَه، وأذكَرَ عِبَادَه آلاءَه، ونبَّههم على قُدرته، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نِعمتين، ليُفَهِّمهم النِّعم ويُقَرِّرهم بها، كقولك للرجل: أَلم أُبَوِّئْكَ مَنْزِلًا وكنتَ طريدًا؟ أفتُنْكِرُ هذا؟ ألم أحُجَّ بك وأنت صَرُورَةٌ؟ أفَتُنْكِرُ هذا؟.
وروى الحاكم أبو عبد الله في (صحيحه) من حديث جابر بن عبد الله قال:
«قرأ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: مالي أراكم سكوتًا؟! لَلْجِنُّ كانوا أحسنَ منكم ردًّا، ما قرأتُ عليهم هذه الآية من مَرَّة {فبأيِّ آلاء ربِّكما تكذِّبان} إِلاّ قالوا: ولا بشيء من نِعمك ربَّنا نكذِّب فلك الحمد».
قوله تعالى: {ربُّ المشْرِقَيْنِ} قرأ أبو رجاء، وابن أبي عبلة: {ربِّ المشْرِقَيْن وربِّ المَغْرِبَيْن} بالخفض، وهما مَشْرِق الصَّيف ومَشْرِق الشتاء ومَغْرِب الصَّيف ومَغْرِب الشتاء للشمس والقمر جميعًا.
قوله تعالى: {مَرَج البَحْرَين} أي: أرسل العذبَ والمِلْحَ وخلاهما وجعلهما {يلتقيان}، {بينهما برزخٌ} أي: حاجز من قدرة الله تعالى: {لا يبغيان} أي: لا يختلطان فيبغي أحدهما على الآخر.
وقال ابن عباس: بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كلَّ عام.
قال الحسن: {مَرَجَ البحرين} يعني بحر فارس والروم، بينهما برزخ، يعني الجزائر؛ وقد سبق بيان هذا في [الفرقان: 53].
قوله تعالى: {يخرُج منهما اللُّؤلؤ والمَرْجان} قال الزجاج: إنما يخرُج من البحر المِلْحِ، وإنما جمعهما، لأنه إذا خرج من أحدهما فقد أُخرج منهما، ومِثلُه {وجَعَلَ القمرَ فيهنَّ نُورًا} [نوح: 16].
قال أبو علي الفارسي: أراد: يخرُج من أحدهما، فحذف المضاف.
وقال ابن جرير: إنما قال: {منهما} لأنه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء.
فأمّا اللُّؤلؤ والمرجان، ففيهما قولان.
أحدهما: أن المرجان: ما صَغُر من اللُّؤلؤ، واللُّؤلؤ: العظام، قاله الأكثرون، منهم ابن عباس، وقتادة، والضحاك، والفراء.
وقال الزجاج: اللُّؤلؤ: اسم جامع للحَبِّ الذي يخرج من البحر، والمرجان: صِغاره.
والثاني: أن اللُّؤلؤ: الصِّغار، والمرجان: الكبار، قاله مجاهد، والسدي، ومقاتل.
قال ابن عباس: إذا أمطرت السماء، فتحت الأصدافُ أفواهها، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ، قال ابن جرير: حيث وقعت قطرةٌ كانت لؤلؤة.
وقرأت على شيخنا أبي منصور اللُّغويّ قال: ذكر بعضُ أهل اللُّغة أن المَرجان أعجميّ معرَّب.
قال أبو بكر، يعني ابن دريد: ولم أسمع فيه بفعل منصرف، وأَحْرِ به أن يكون كذلك.
قال ابن مسعود: المرجان: الخرز الأحمر.
وقال الزجاج: المَرجان أبيض شديد البياض.
وحكى القاضي أبو يعلى أن المرجان: ضرب من اللُّؤلؤ كالقضبان.
قوله تعالى: {وله الجَوارِ} يعني السفن {المُنْشَآتُ} قال مجاهد: هو ما قد رُفع قِلْعه من السفن دون مالم يُرفع قِلْعه.
قال ابن قتيبة: هُنَّ اللواتي أُنشئن، أي: ابتُدىء بهنَّ {في البحر}، وقرأ حمزة: {المُنْشِئاتُ}، فجعلهن اللواتي ابتدأن، يقال: أنشأت السحابةُ تُمطر: إذا ابتدأتْ، وأنشأ الشاعُر يقول:....
والأعلام: الجبال، وقد سبق هذا [الشورى: 32].
قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عليها فانٍ} أي: على الأرض، وهي كناية عن غير المذكور، {فانٍ} أي؛ هالكٌ.
{ويَبقى وجهُ ربِّكَ} أي: ويبقى ربُّكَ {ذو الجلال والإكرام} قال أبو سليمان الخطابي: الجلال: مصدر الجليل، يقال: جليل بَيِّن الجلالة والجلال.
والإكرام: مصدر أكرمَ يُكْرِم إكرامًا؛ والمعنى أن الله تعالى مستحِق أن يُجَلَّ ويُكْرَم، ولا يُجحَد ولا يُكْفَر به، وقد يحتمل أن يكون المعنى: أنه يُكرم أهلَ ولايته ويرفع درجاتهم؛ وقد يحتمل أن يكون أحد الأمرين وهو الجلال مضافًا إلى الله تعالى بمعنى الصفة له، والآخر مضافًا إلى العبد بمعنى الفعل منه، كقوله تعالى: {هو أهلُ التَّقوى وأهلُ المَغْفِرة} [المدثر: 56] فانصرف أحد الأمرين إلى الله وهو المغفرة، والآخر إلى العباد وهو التقوى.
قوله تعالى: {يسألُه من في السموات والأرضِ} المعنى أن الكل يحتاجون إليه فيسألونه وهو غنيٌّ عنهم {كُلَّ يومٍ هو في شأنٍ} مثل أن يُحيي ويُميت، ويُعِزّ ويُذِلّ، ويشفي مريضًا، ويُعطي سائلًا، إلى غير ذلك من أفعاله.
وقال الحسين بن الفضل: هو سَوق المقادير إِلى المواقيت.
قال مقاتل: وسبب نزول هذه الآية أن اليهود قالت: إن الله لا يقضي في يوم السبت شيئًا، فنزلت: {كُلَّ يومٍ هو في شأنٍ}.
قوله تعالى: {سنَفْرُغُ لكم} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {سنَفْرُغُ} بنون مفتوحة.
وقرأ ابن مسعود، وعكرمة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وعبد الوارث: {سيَفْرُغُ} بياءٍ مفتوحة.
وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، وابن أبي عبلة، وعاصم الجحدري، عن عبد الوارث: {سيُفْرَغُ} بضم الياء وفتح الراء.
قال الفراء: هذا وعيد من الله تعالى، لأنه لا يشغَله شيء عن شيء، تقول للرجل الذي لا شغل له: قد فرغتَ لي، قد فرغت تشتمني؟! أي: قد أخذتَ في هذا وأقبلتَ عليه؟! قال الزجاج: الفراغ في اللغة على ضربين.
أحدهما: الفراغ من شغل.
والآخر: القصد للشيء، تقول: قد فرغتُ مما كنتُ فيه، أي: قد زال شغلي به، وتقول: سأتفرَّغ لفلان، أي: سأجعله قصدي، ومعنى ال: سنَقْصُد لحسابكم.
فأمّا {الثَّقَلان} فهما الجن والإنس، سُمِّيا بذلك لأنهما ثقل الأرض.
قوله تعالى: {أن تَنْفُذوا} أي: تخرُجوا؛ يقال: نفذ الشيء من الشيء: إذا خَلَص منه، كالسهم ينفُذ من الرَّمِيَّة، والأقطار: النواحي والجوانب.
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها: إِن استطعتم أن تعلَموا ما في السموات والأرض فاعلَموا، قاله ابن عباس.
والثاني: إن استطعتم أن تهرُبوا من الموت بالخروج من أقطار السموات والأرض فاهرُبوا واخرُجوا منها؛ والمراد: أنكم حيثما كنتم أدرككم الموت، هذا قول الضحاك ومقاتل في آخرين.
والثالث: إن استطعتم أن تَجُوزوا أطراف السموات والأرض فتُعجِزوا ربَّكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا؛ وإنما يقال لهم هذا يوم القيامة، ذكره ابن جرير.
قوله تعالى: {لا تنفُذونَ إِلاّ بسُلطانٍ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لا تنفذون إِلا في سلطان الله ومُلكه، لأنه مالك كل شيء، قاله ابن عباس.